مدينة مكناس تقع في شمال المملكة على بعد 140 كلم شرق العاصمة المغربية الرباط، وهي العاصمة لجهة مكناس ـ تافيلالت التي تضم ولاية مكناس وعمالة إقليم الحاجب وعمالة أقاليم ايفران وخنيفرة والرشيدية. عدد سكانها نحو المليون نسمة.
هذه المنطقة التي تمتد على مساحة 79210 كلمتر مربع أي تحتل حوالي 11% من مجموع التراب المغربي. وهي متنوعة التضاريس والمناخ، وتأوي هذه المنطقة حسب إحصائيات 1994: 73 % من مجموع سكان المغرب. أما مدينة مكناس فهي مقسمة إلى جزءين المدينة الجديدة والمدينة القديمة وبما ان مدينة مكناس تقع في ملتقى الطرق التجارية التي كانت تربط بين عدة جهات مما جعل منها منطقة عبور واستقرار منذ عهد قديم [1] مما أكسبها أهمية كبيرة عند حكام المغرب المتعاقبين
شيد هذه المدينة العاهل العلوي المولى إسماعيل في نهاية القرن السابع عشر لتكون عاصمة لملكه، وتفنن في بنائها وإبداعها، فجلب إليها الأيدي الفنية العاملة التي شيدت الأبواب الهائلة وكأنها تنبثق من الأرض، وكذلك الأسوار اللامتناهية المحيطة بالاصطبلات والمخازن العظيمة، وقد رسم المولى إسماعيل بنفسه الخطوط الرئيسة للقصور والحدائق والأحواض ويذهب بعيدا في تحقيق أمانيه الشاسعة التي طالما كانت تفوق الأحلام. ومكناس هي احدى العواصم التاريخية الأربع للمملكة المغربية.
ومن أعظم آثارها التي تدهش السياح باب المنصور الضخم المشهور بنقوشه الفسيفسائية وبالقصر الملكي بأسواره العتيقة وضريح مولاي إسماعيل، ومسجد بريمة، وسيدي عثمان، والقصر الجامعي الذي يعد متحفا للفن المغربي
مكناس التي تزخر بتاريخ تليد تحكي عنه أسوارها وأبراجها ومآثرها التاريخية التي ظلت شامخة شموخ جبال الأطلس وجبال زرهون التي تحيط بها من كل ناحية. فمدينة مكناس مدينة الحضارة العربية الإسلامية والتاريخ التليد.
ولعل المآثر التاريخية التي تربض بين جنباتها تعد شاهد إثبات، يستمد جذوره من أعماق التاريخ، على أصالة هذه المدينة. فهي بأسوارها وأبراجها وبساتينها، بقصورها ودورها ومساجدها وسقاياتها، بساحاتها وبمآذنها ومساجدها، بزواياها وأزقتها وعادات وتقاليد ساكنتها تعد متحفا نابضا وشاهدا حيا على تاريخ هذه الحاضرة.
وهو ما أهلها عن جدارة واستحقاق لأن تصبح باعتراف المجتمع الدولي تراثا إنسانيا عالميا. ونسجل منذ البداية بأن الوضعية الحالية لجل المآثر التاريخية بمكناس تعتبر جيدة بفضل العناية المستمرة التي أصبحت محطا لها. والعمل الجليل الذي جعل من باحة باب منصور العلج فضاء ثقافيا كمعرض وكرواق دائم للفنون التشكيلية، على غرار باب الرواح بالرباط وباب دكالة بمراكش، يستحق منا كل التنويه.
العاصمة الإسماعيلية مكناس في ذاكرة التاريختقع هذه المدينة بمنطقة فلاحية خصبة، في ملتقى الطرق التجارية التي كانت تربط بين عدة جهات مما جعل منها منطقة عبور واستقرار منذ عهد قديم، خصوصا في العصر الوسيط حيث برز اسمها لأول مرة كحاضرة، ثم في العصر الحديث كعاصمة من أبرز العواصم التي لعبت دورا هاما في تاريخ الغرب الإسلامي.
مع مجيئ المرابطين ازدهرت المدينة، وظهرت بعض الأحياء أهمها القصبة المرابطية "تاكرارت" كما شيدوا مسجد النجارين وأحاطوا المدينة بسور في نهاية عهدهم. ويعتبر الحي الذي لا زال يوجد قرب مسجد النجارين المشيد من طرف المرابطين أقدم أحياء المدينة. تحت حكم الموحدين عرفت المدينة ازدهارا عمرانيا حيث تم توسيع المسجد الكبير في عهد محمد الناصر(1199-1213م)، وتزويد المدينة بالماء بواسطة نظام متطور انطلاقا من عين "تاكما" لتلبية حاجيات الحمامات والمساجد والسقايات كما عرف هذا العهد ظهور أحياء جديدة مثل حي الحمام الجديد وحي سيدي أحمد بن خضرة. خلال العهد المريني شهدت المدينة استقرار عدد كبير من الأندلسيين قدموا إلى مكناس بعد سقوط أهم مراكز الأندلس. وقد شيد السلطان المريني أبو يوسف يعقوب (1269- 1286م) قصبة خارج المدبنة لم يصمد منها إلا المسجد المعروف بلالا عودة. كما عرفت مكناسة الزيتون بناء مدارس عتيقة كمدرسة فيلالة، والمدرسة البوعنانية ومدرسة العدول، و مساجد مثل مسجد التوتة ومسجد الزرقاء، وخزانة الجامع الكبير ومارستان الباب الجديد وحمام السويقة. في عهد الدولة العلوية، خاصة إبان فترة حكم السلطان المولى إسماعيل، استعادت المدينة مكانتها كعاصمة للدولة، بحيث عرفت أزهى فترات تاريخها. فقد شيدت بها بنايات ذات طابع ديني كمسجد باب البردعيين ومسجد الزيتونة ومسجد سيدي سعيد، وتوحي منارات هذه المساجد من خلال طريقة تزيينها بتأثير سعدي واضح. بالإضافة إلى القصور وبنايات أخرى هامة، فقد قام السلطان المولى إسماعيل بتشييد الدار الكبيرة فوق أنقاض القصبة المرينية وجزء من المدينة القديمة.
كما أنه أنجز حدائق عديدة (البحراوية-السواني)، وإسطبلات للخيول ومخازن للحبوب وصهريج لتزويد الأحياء بالماء، وأحاط المدينة بسور تتخلله عدة أبراج عمرانية ضخمة وأبواب تاريخية كباب منصور وباب البردعيين.
قرب هذه الأبواب أعدت عدة فنادق أو محطات لاستراحة القادمين من مناطق بعيدة، أما الأسواق فكانت منظمة وتعرف حسب نوع الحرفة أو الصناعة، مثل سوق النجارة وسوق الحدادة وغيرها. تتميز مدينة مكناس بشساعة مساحتها وتعدد مبانيها التاريخية وأسوارها حيث أحاطها المولى إسماعيل بأسوار تمتد على طول 40 كلم, تتخللها مجموعة من الأبواب العمرانية الضخمة والأبراج.