النتيجة هي اعتماد الجزائر لخيار يقوم على الحرب المباشرة عن طريق البوليساريو أولا والضغط الدبلوماسي ثانيا. في 7 مارس/ آذار 1976 سيتم قطع العلاقات الدبلوماسية والتي لم تعد إلا بعد اثنتي عشرة سنة أي سنة 1988. وتلا ذلك إغلاق الحدود وطرد المغاربة المقيمين في الجزائر، كما نجحت هذه الأخيرة في توفير اعتراف عدد معتبر من الدول بالجمهورية الصحراوية وصل عددها إلى ما يزيد على سبعين اعترافا. وزادت من الضغط على موريتانيا، وهو ما أفضى إلى حصول انقلاب عسكري في 10 يوليو/ تموز 1978 أدى إلى تكون نظام موريتاني من الصحراء وتسليم منطقة وادي الذهب -التي كانت من نصيب موريتانيا حسب اتفاقية مدريد- إلى البوليساريو عبر اتفاق بينها وبين موريتانيا في 5 أغسطس/ آب 1979. وقد أدى انهيار موريتانيا وانسحابها من اتفاقية مدريد إلى فقدان المغرب لحليف كانت له أهميته المركزية في الإستراتيجية الدبلوماسية والعسكرية له بالرغم من ضعف موريتانيا، وهو ما ساعد الجزائر على رفع ضغطها الدبلوماسي، بحيث أن عددا من الدول الإفريقية غيرت موقفها مباشرة بعد انسحاب موريتانيا من النزاع14، كما أن الجزائر أصبحت متصلبة إزاء أي حل سياسي للنزاع15، ووجه ذلك بتحرك عسكري للمغرب نجح في استرجاع إقليم وادي الذهب ميدانيا وتنظيم حملة لممثلي السكان لمبايعة العاهل المغربي في 14 أغسطس/ آب 1979، ونشير هنا إلى أن وفاة الرئيس الجزائري بومدين في 1978 أدت لفشل مبادرة لتسوية المشكلات العالقة بين البلدين بصفة شاملة. مع بداية الثمانينيات ستطرأ متغيرات دولية وإقليمية وازنة، مما دفع بكل من المغرب والجزائر إلى الدخول في مفاوضات سرية سنة 1981 إلا أنها فشلت بسبب تباعد مواقف البلدين، حيث ركزت الجزائر على: إشراك البوليساريو كمفاوض أصيل في النزاع وتكون الجزائر بمثابة وسيط. إقامة الجمهورية الصحراوية على أساس حدود معترف بها، يتم الاتفاق بشأنها. المغرب العربي هو الإطار الملائم لاستغلال خيرات المنطقة.
أما الموقف المغربي فركز على: المفاوضات مع الجزائر. مغربية الصحراء لا رجعة فيها. إمكانية تطبيق مقررات منظمة الوحدة الإفريقية لا سيما قرارات نيروبي الثانية القاضية بوقف إطلاق النار وإجراء الاستفتاء16.
بموازاة ذلك كانت المواجهة الدبلوماسية قوية، فعلى صعيد منظمة الوحدة الإفريقية عمدت الجزائر إلى طرح القضية منذ سبتمبر/ أيلول 1977 مدعمة بـ "خمس عشرة" دولة عضو في المنظمة، ومستفيدة من موقعها في منظمة عدم الانحياز، التوسع السوفياتي في القارة الإفريقية من خلال تبني عدد من الأنظمة المستقلة حديثا للتوجه الماركسي17. وفي اجتماع المنظمة بفريتاون سنة 1980 طرحت عضويتها إلا أن النصاب لم يكن متوفرا، وقد حاول المغرب سحب البساط عبر الموافقة في مؤتمر نيروبي الأول سنة 1981 على مسألة الاستفتاء. إلا أن الجزائر مارست ضغوطا قوية على الأمين العام للمنظمة الذي قام باستدعاء الجمهورية الصحراوية للمؤتمر التاسع عشر للمنظمة بأديس أبابا سنة 1983 ودعا الطرفين إلى التفاوض، واكتمل ذلك في المؤتمر العشرين المنعقد أيضا بأديس أبابا سنة 1984، حيث أعطيت العضوية الكاملة للجمهورية الصحراوية مما اضطر المغرب إلى الانسحاب من منظمة الوحدة الأفريقية18. لقد شكلت سنة 1984 نقطة تحول في تعامل الأمم المتحدة مع نزاع الصحراء الغربية حيث أنها منذ سنة 1976 كانت تربط قراراتها بتلك التي تخرج بها منظمة الوحدة الإفريقية وذلك تجنبا لازدواجية الحلول وربما تعارضها19. وأدى ذلك إلى انتقال عملية حل النزاع إلى الأمم المتحدة التي كانت حتى سنة 1988 تكتفي بإصدار توصيات تدعو لحل سياسي عادل للقضية ارتكازا على القرار 1514 الصادر عن الجمعية العامة بتاريخ 14 ديسمبر/ كانون الأول 1968 والداعي للقضاء على كافة أشكال الاستعمار. بموازاة ذلك وأمام اشتداد الهجمة الدبلوماسية، اتجه المغرب إلى تعزيز وجوده الميداني، مستفيدا في ذلك من التحولات الدولية العربية، والمتمثلة أولا في سقوط الشاه دركي أميركا في الخليج وما فرضه من سعي أميركا إلى رفع دعمها للأنظمة المتعاونة -والمغرب ضمنها، والمتمثلة ثانيا في توقيع اتفاقية كامب ديفد وما فرضه هو الآخر من سعي غربي لتعميم الخطوة المصرية وفك الحصار عليها، وذلك هو ما قدمه المغرب في مؤتمر فاس 1982 فضلا عن لقاء شمعون بيريز رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك بإيفران سنة 1984. تبعا لذلك استفاد المغرب من الدعم العسكري للإدارة الأميركية في عهد رونالد ريغان والذي اتجه -أي الدعم- إلى ضمان التوازن العسكري بالمنطقة واعتمد المغرب في هذا الصدد إستراتيجية عسكرية ذات شقين: تمثل الشق الأول في الوحدات المتنقلة "التي وضعت على كاهلها عمليات تمشيط الإقليم وتطهيره من قوات البوليساريو، وتمثل الشق الثاني في إقامة جدران دفاعية من الرمال والأحجار مع بعض البناءات وتجهيزات الرصد بالرادار والحماية بحقول الألغام"20. واكتمل ذلك بتحقيق اختراق مهم في المجال الدبلوماسي عبر توقيع المغرب لاتفاقية "الاتحاد العربي الإفريقي" مع ليبيا سنة 1986، والتي من خلالها تم إيقاف الدعم الليبي للبوليساريو. في النصف الثاني من الثمانينيات بدأت المعطيات المحيطة بالقضية تتغير وعلى وجه الخصوص نذكر: تراجع العائدات الجزائرية من المحروقات في مقابل ارتفاع الأعباء السياسية والاجتماعية الناجمة عن تحمل تكاليف احتضان البوليساريو. انتهاء الحرب الباردة وانهيار الكتلة الشرقية وتفكك الاتحاد السوفياتي في مقابل ازدياد قوة الولايات المتحدة ورفع درجة تركيزها على المنطقة المغاربية. اتجاه عدد من بؤر التوتر والنزاعات في عالم المعالجة والمطالبة بفعالية أكبر للمنطقة الأممية في ذلك، نذكر هنا إيقاف الحرب العراقية الإيرانية، الانسحاب السوفياتي من أفغانستان للتطورات التي عرفها القرن الإفريقي وجنوب إفريقيا.
وهي معطيات انعكست على العلاقات المغربية الجزائرية، وذلك في إطار مناخ إيجابي في إطار العلاقات العربية العربية (توقيع اتفاق الطائف،...) وكان من ثماره التحضير لإنشاء اتحاد المغرب العربي، خصوصا بعد حصول تفاهم مغربي أممي حول مشروع تسوية لقضية الصحراء.
|